لقد أثنى عمرو بن العاص رضي الله عنه قديماً على الروم بذلك، وهذه الصفة مشهورة فيهم، ولا يضيرنا نحن المسلمين أن نقول: إن فيهم صفة المساواة أو العدل أو الشجاعة، فنحن أمة العدل، ومن عدلنا أننا لا نظلم أمة من الأمم، ولا ننكر ما لها من صفات حق، مع علمنا أنها أمة كافرة، ولا يغني ذلك عنها شيئاً، ولا ينفعها عند الله، ولا ينجيها من سيوف المسلمين في الدنيا أيضاً؛ لأن سنة الله في النصر والتمكين لعباده الصالحين تغلب ما عند أولئك.
لكن الواقع يشهد بوجود شيء مما ذكرنا في تلك البلاد، فمثلاً عند الدول الغربية التي تدخل تحت ما يسمى بالدول الديمقراطية: إذا أراد الإنسان أن يقدم إليهم لاجئاً ومهاجراً يريد الإقامة، فإنهم يشترطون عليه أن يتقدم بطلب للحصول على الإقامة، ثم ينتظر بعد ذلك الرد، وبعد ذلك تنفق عليه الدولة، وتعطيه مرتباً أسبوعياً يكفيه لإعاشته؛ سواءٌ كان وحده أو مع أسرته، ولا يطالبه أحد بشيء، إنما كل ما يلزم به أن يبرز لهم ما يثبت أن لديه ملفاً لمراجعة موضوع إقامته، فإذا حصل على الإقامة؛ فعندها يصبح له حقوق كأي مواطن في تلك الدولة، وإذا لم يحصل له ذلك، فإنه يطلب منه مغادرة البلاد، وفي كلا الحالتين ما لم يحصل على عمل؛ فإنه يحصل على نفقة وسكن وكل ما يضمن له أن يعيش ويكف نفسه حتى يحصل له مراده؛ إما أن يجد عملاً أو يسافر، وهذه قاعدة يتعاملون بها ويتعارفون عليها، ولا شك أن هذا عدل، وجدير أن يدوم سلطان من كان هذا شأنه، على ما فيه من كفر أو شرك.
وكذلك لا يمكن أن يحاكم أي إنسان هناك إلا بتهمة قانونية، وإن كان التحاكم إلى قانونهم كفر بلا شك، لكنهم يعدلون في تطبيقه، وأصل المبدأ من العدل، وهو أن الإنسان لا يؤاخذ بالتهمة أو بالظن ويرمى في السجون إلى ما لا نهاية، بل لابد أن يكون الأخذ قانونياً، والأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت التهمة، وهذا موجود في شرعنا وديننا وفيما قبله من شرائع الله، وربما كانت هذه لديهم من بقايا الأديان، ولكنهم أصّلوها وعملوا بها، فالأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأنَّ من حقه أن يتخذ محامياً وأن تكون المحاكمة علنية ومدنية.